الجمعة، 3 أبريل 2020

ايام زمان : ساندي والبقاء في المنزل

يبدو شريط الذكريات سريع جدًا في ذاكرتنا..

وتبقى بعض الذكريات اقوى من الأخرى لأنها تعلمنا اشياء بسيطة ولكنها عظيمة في آنٍ واحد.


في نهاية عام 2012م ..

كنتُ  طالبة تدرس اللغة في نيويورك، تقطن بروكلين وترتاد معهد اللغة في منهاتن .. حينما وصلتني اخبار اعصار ساندي الذي ضرب نيويورك وبعض مناطق امريكا في ذلك الوقت من العام ، وبحسب ويكيبديا فإن الإعصار "صنف بالفئة الاولى في يوم 27 أكتوبر وسجلت في مدينة نيويورك رقم قياسي بارتفاع الفيضانات فيه التي غمرت العديد من المناطق في نيوريوك حيث بلغ ارتفاع المياه أربعة أمتار وأغلقت الكثير من المحال والمنشآت". ويكبيديا 






كفتاة حجازية سعودية اعتادت الاستقرار المناخي في مدينة جدة ، كان من الصعب أن اتوقع الحالة النفسية التي سأخوضها أنا واخي  خلال فترة البقاء في المنزل اثناء مرور الاعصار على نيويورك وعدم توقع مساره ، ولكن الهلع والقليل من الخوف والترقب مقبول وطبيعي .


هكذا قمتُ على عجل بالاستعداد بخفة - حيث لا يمكن التخطيط طويلاً خلال هذه الاوقات- بالحصول على مايلزم من اطعمة ومياه لوقتٍ كافٍ (مع الحرص على الحصول على اشياء يمكن بقائها وقت طويل في الثلاجة والمخزن)، الحصول على مبالغ نقدية لأنه كان من المتوقع تحطهم الالات الخاصة بالسحب النقدي وكذلك عدم قبول المطاعم والمحال التجارية للبطاقات الائتمانية بسبب اثار العاصفة في حال هدوئها،  اعداد حقيبة صغيرة تحتوي اهم الملفات والاوراق والاموال و وضعها عند الباب في حال ضرورة الاخلاء. اغلاق النوافذ جميعها بشريط خاص ومعرفة اماكن الطوارىء في منطقتي.

الاعصار الذي دمر اجزاء من نيويورك وحصلت بسببه فيضانات ايضًا، تسبب في وفيات تصل الى ثماني واربعين شخص في نيويورك واثني عشر شخص في نيوجرسي بحسب ماذكرته قناة السي ان ان.  ورغم أن البقاء في المنزل بذلك الوقت -لأول مرة بالنسبة لي- كان فترة ليست بالطويلة نسبيًا ، حيث امتدت الى تسعة ايام تقريبًا، إلا ان الكوارث الطبيعية تضع الشخص تحت ضغط نفسي  بضرورة الاخلاء في اي لحظةٍ وهذا كان  يُشكل تحدي حقيقي جديد بالنسبة لي. 

ولذلك فقد قررت أمرين في ذلك الوقت ...

الأمر الاول هو تجاهل الاغراق المعلوماتي في مواقع الاخبار حتى لا انغرق في حالة هلع .. والاعتماد على مصدر واحد في الاخبار، والامر الثاني التركيز على هدفي الذي ذهبت من اجله الى امريكا ..اي دراسة اللغة الانجليزية والبحث عن قبول ماجستير في تخصصي. 



ورغم ان الوقت كان يمر ببطءٍ شديد في المنزل،
 الوقت الذي يجب فيه ان نكون بعيدين عن اي نوافذ تطل على الشارع لأنها من الممكن ان تتحطم مع قوة الاعصار، 
الا انه كان لدي وقت طويل حقًا لإنجاز احد اهم اهدافي. 


وفي هذه الفترة تعلمت أن الاغراق المعلوماتي( المعلومات الكثيرة من وسائل الاعلام) بشكلٍ كبير ومتابعة الاخبار كل دقيقة لا يفيدك ابدًا، كل الذي كان يجب ان اتابعه قناة واحدة وكذلك مسار الاعصار نفسه فقط، وان الاستعداد الجيد واتباع التعليمات المُعلن عنها يساعد في تقليل الاضرار.


ولازلت اذكر اليوم الاول الذي تم الاعلان ان الاعصار انتهى 
وانه يمكننا فتح النوافذ والابواب والانطلاق بحريةٍ الى الشوارع، 
وكيف كانت شوارع بروكلين مضيئة بالهدوء والضوضاء بالفرح معًا
 بعودة الحياة الى مسارها الطبيعي بالتدريج. وشعور الترقب بالنصر بعد الصبر، وبالفرج بعد الصلاة .. 
ولحظة استنشاق الهواء تحت السماء الصافية حينما تختلط رائحة الأرصفة المبتلة ببقايا المطر ورائحة عوادم السيارات والقهوة المتسربة من المقاهي بعد افتتاحها من جديد.



ورغم بقاء شبكة المترو مُعطلة لبعض الأيام .. ورغم الخسائر المادية لبعض الاماكن المختلفة،
 إلا ان الوجوه الممتلئة بالأمل والأعين السعيدة بعودة الازدحام في الطرقات والمشاكل اليومية الصغيرة
 جعلتني ادرك نعمنا المتعددة في ان روتين الحياة العادية هو نعمة بحد ذاته.

معظم الاختبارات الحقيقية التي يمر بها الانسان ماهي الا لصقل شخصيته والتعلم للعمل والعلم تحت التحديات. 

ملاحظة :لم اضع صور للاعصار لأني اؤمن أن الصور الايجابية دائمًا افضل.


فادية بخاري


مصادر: 


الصور من  موقع https://pixabay.com/
بدون حقوق نشر.